شفة لونها الحنّاءغادر ألكسندر دوماس فرنسا على متن سفينة بخارية سنة 1846 واتجه إلى مدينة طنجا المغربية ومنها انتقل إلى الجزائر ثم وصل إلى تونس في السنة نفسها أشراط الساعةتتوالى المشاهد التي تجسّد فكرة الأفول. من ذلك مشهد تهاوي النجوم ودمدمة الجبال. لم يكتب البديري تاريخا، بل دوّن يوميّات حافلة بالتفاصيل التي يتعالى عليها المؤرّخ عادة القاصّ الجوّالتمعن الحكاية في تجديد نفسها وتنفتح على الأزمنة جميعها. إنها طقس جماعيّ، طقس ما يفتأ يتمّ لمقاومة النسيان. لذلك لم تحتفظ الذاكرة بأسماء هؤلاء القصّاص الجوّالة ! أوّاه يا هارلمتتصاعد الحشرات من نيويورك وتشرع على مهل في التهام القمر ثم تتربع في السماء مكانه مالئة الكون بطقطقة هي صوت النهايات انتصار المظلومينكان أرطو على يقين من أن الكائن ليس حرّا أبدا، ووحدها الفاجعة هي قدره ومصيره. لذلك كان يعلن: لسنا أحرارا أبدا، والسماء يمكن أن تسقط على رؤوسنا في أية لحظة”” الأدب المنسيإن المادّة الأدبية المبثوثة في هذه النصوص تضعنا في حضرة السارد وهو يستسلم لفتنة السرد وفتنة الحلم ويتخطّى العقل ويمضي بالخيال إلى النهايات والأقاصي فيكتور فافيتش: الرواية المحرّمةلم يشكّك الكاتب في الثورة بل جزم بأنها ستأتي على أحلام العمال والمستضعفين وتطحنها طحنا، مؤجّلة بذلك خلاصا مرتقبا منذ نصّب الظلم نفسه سيّدا على العالم في بدايات الزمان الملك الشاعركان الأزتيك يعتقدون أن الشموس كانت في غابر الزمان عديدة: شمس الأرض، وشمس الرياح، وشمس النار، وشمس المياه. لكن هذه الشموس نفقت بعد حلول كارثة طبيعية مروّعة. ثم كان أن خُلقت شمس خامسة هي شمس الحركة الدؤوب. كانت هذه الشمس منذورة للزوال مثل سابقاتها رواية باراك أوباماهذا الإحساس الفاجع بالضياع هو الذي سيجعل هانس يختار العزلة أنيساً ويكتفي بمراقبة العالم على شاشة الكومبيوتر إذ يفتح كل ليلة جهاز الكومبيوتر ويستخدم محرك البحث غوغول إيرث ويشرع في التفرج على العالم قصّة خلقت لغة قوميةحتما لم يكن كولّيدي يدري حين كان يكتب ”مزحته” أنه سيمنح اللهجة التوسكانية كل هذه الأمجاد ويثبت أن الأدب يمكن أن يتسلّل إلى وجدان شعب بأسره ويمدّ بلداً كاملاً بلغة قومية الكتابة وفتنة الجنونلا شيء يسلم من المساءلة والفضح: يُعرَّى الحبّ فإذا هو الكراهية عينها. ومن خلال الوفاء يتراءى الغدر صارخاً. ولا يعقب الحلم إلا السقوط المريع. ”كما يشاء الربّ” رواية تضع الحضارة قدّام خرابها وخراب منتجيها نيكولّلو أمّانيتيلا شيء يسلم من المساءلة والفضح: يُعرَّى الحبّ فإذا هو الكراهية عينها. ومن خلال الوفاء يتراءى الغدر صارخاً. ولا يعقب الحلم إلا السقوط المريع. ”كما يشاء الربّ” رواية تضع الحضارة قدّام خرابها وخراب منتجيها الكلمة والسّيفهذا البعد القدسي المندسّ في اللاوعي الجماعي هو الذي سيجعل العرب يمجّدون لغتهم ويعدّونها بيت العرب إن ضاعت هلكوا قبر من ورقمعروف أن قابيل في بدء الزمان قام على أخيه هابيل إذ هما في الحقل وقتله. ومعروف أيضا أنه، بعد صنيعه ذاك، هام على وجهه في البرية نادما على جريمته النكراء. وحين جاءه صوت الرب من السماء: “قابيل أين أخوك؟” أجاب مرتجفا: “ويلي! أحارس أنا لأخي!؟ لوركا: دمٌ صارخٌ في البريةكان مانويل كاستيلا شابا لم يتخطّ بعد سنّ المراهقة حين دُعي فجر يوم التاسع عشر من شهر آب سنة 1936 ليقوم بحفر حفرة عميقة ويدفن فيها على عجل أربعة أشخاص تمّ إعدامهم رميا بالرصاص الحرية و الفطيرةأورد ابن أبي الضياف هذه المحاورة الطريفة التي دارت بينه وبين الباي إذ هما يتفسحان في الشانزلزيه: “قال لي وقد غلبه الحنين إلى الأوطان: ما أشوقني للدخول من باب عليوة، (أحد أبواب المدينة العتيقة) أشتمّ رائحة الزيت من حانوت الفطايري أرمنيان وعربيأرسل إسحاقيان نص الملحمة مرفقة بأكثر من عشرين لوحة إلى روسيا لنشرها هناك. وحالما أنجزت الترجمة إلى الروسية اندلعت الحرب العالمية الثانية فأغلقت دار النشر وضاعت رسوم الفنان مارديروس. بعد الحرب لم يتم العثور إلا على خمس لوحات وُجِدت في مناطق مختلفة من الاتحاد السوفياتي الزنجي الهارب من جلدهللرواية الأفريقية المكتوبة في اللغة الفرنسية مع الزنوجة والغرب تاريخ وتغريبة وحكاية المعلّم الثانيأطلق العرب على أرسطو لقب المعلّم الأول؛ فمجّدوه وأعلوه واحتفوا بكتاباته ترجمة وشرحاً وتأويلاً. كان هذا اللقب اعترافاً للفيلسوف اليوناني بالفضل والسّبق والتقدّم. لكنه لم يكن خالياً من الويلات أفول الغنائيةحين تحدّث أرسطو في كتابه “فن الشعر” عن الأجناس الأدبية فرّق بين الشعر الدرامي والشعر الغنائي، وأولى عناية فائقة للصنف الدرامي. أما الشعر الغنائي فسكت عنه لأن منتجَه أقل درجة من منتج الأشعار الدرامية، لا سيما أن الشاعر الذي يكتب قصيدة غنائية إنما يبرع في توليد المجازات والاستعارات لا غير. أما الشاعر الذي يكتب شعراً درامياً فإنه يبرع في صناعة الحكايات التي ينجزها الانتحارإن تخيّل لحظة الموت والتدخّل فيما سيعقبها لا يأتي من قبيل الاتّفاق في رواية إدوارد لوفي “الانتحار”، بل يرد في شكل تحدٍّ للموت نفسه وعبور بالذات إلى ما بعد حتفها الزّعيم الغادرثمة في سيرة بيرم التونسي صفحات لم يقع الالتفات إليها. وهي صفحات تخصّ علاقة الشاعر بالزعماء السياسيين في عصره. يكفي أن ننظر في كتاب ”مذكرات بيرم التونسي” وسترتسم قدّامنا محنة المبدع العربي الذي اختار الانتصار للمقهورين عارية كالفضيحة تماماً لا فضل للعربلم يتساءل سيلفان غوغونهايم، وأنّى له أن يفعل في غمرة هوسه بقلب الحقائق التاريخية، لِمَ احتفى العرب بأرسطو وخلعوا عليه لقب المعلم الأول. ولِمَ احتفت أوروبا، ولا سيما فرنسا، بابن سينا فبدّلت اسمه من ابن سينا إلى آفيسان وبدّلت اسم ابن رشد، فصار يدعى في فرنسا آفيرواس الفلسفة والموسيقىإن من يعيد قراءة حياة نيتشه يلاحظ أن كل من اهتموا بسيرته ألحوا على أنه ظلّ مفتونا بالموسيقى يؤلف المعزوفات والألحان طيلة فترة دراسته الجامعية· وقد واصل العزف والافتتان بالموسيقى حتى بعد أن ساءت حاله ووقف على حافة هاوية الجنون الرجل إمرأة عاقرهذه هي طبيعة الصمت الفردوسية. أنا جالسة إلى مكتبي ساعات، منذ الثامنة والنصف صباحا (بلغت الساعة الآن السابعة والنصف ليلا) كنت طيلة هذه الساعات كلها مأخوذة بالكلمات. أحيا اللغة قطرة قطرة، إيقاعات اللغة، كنت أردّد على مسمعيّ جملا وتعابير بصوت عال، كنت أحس بشيء ما يأتي إلى الحياة، شيء ما يولد، شيء لا يمكن أن أدركه، شيء يستعصي على المسك القبّعة والنّعلهم لا يقطعون المسافات مشيا كالإنس بل خبباً كأفراس الجان. إنهم لصوص بالفطرة قد ولدتهم أمهاتهم سرّاقا. واللصوصية مركوزة في طباعهم. حتى أن الواحد منهم يمتلك القدرة على الاختباء وراء قصبة أو عشبة مهما كانت قصيرة ويباغتك شاهرا سلاحه مئويّة الشابّيلا خيار هناك ولا توسّط. إنه قدر المبدع. وهو أيضا قدر رفاق دربه الذين ترصد الموت خطاهم واختطفهم تباعاً السحر والسحرةثمة ضجر من الفكر وملل من النظريات. لكأن الفلاسفة قد أيقنوا أن النظريات الصارمة لا تصوغ القوانين إلا بعد أن تكون قد سجنت منتجها داخل أسيجة تلك القوانين ذاتها. أو لكأن من ينتج نظرية يصبح عبداً لها فكثيراً ما ينقلب السحر على الساحر شاعر البداياتحين حاول الجاحظ تفسير منابت الموهبة الشعرية ذهب إلى أن إرجاع النبوغ أو انعدامه في الناس إلى الشروط الاجتماعيّة تصوّر مُضلٌّ فراعنة فرنسيونالثابت تاريخيا أن الفراعنة كانوا على يقين بأن دفن ملوكهم في أماكن مخصصة لعِلْيَةِ القوم لا يمنحهم حقّهم من التبجيل فحسب، بل يفتح أمامهم طريق الخلود ويقيهم من غوائل النسيان. كانت الأهرامات التجسيد الفعلي لفكرة أبدية البقاء ولو رَمِيماً اتركني ولعنتيكتب سعدي يوسف مجموعة “قصائد نيويورك” في الفترة ذاتها التي كتب فيها مجموعة “الشيوعي الأخير”. وسواء كان يباهي بكونه الشيوعي الأخير أو يتأسّى على حاله تلك، فإن الأيديولوجي هو الذي مدّ قصائده عن أمريكا بقاعها الفكري. لذلك حفلت هذه القصائد بإعلان الشاعر اصطفافه إلى جانب المغلوبين والمقهورين سواء كانوا عمّالا أو فلاحين أو عرباً كُلّلت أيامهم كلّها بالسواد