حين أصدر الكاتب الفرنسي فيليب سولارس سنة 1958 روايته الأولى «عزلة عجيبة» تنبّأ له الشاعر الفرنسي آراغون بمستقبل زاهر في دنيا الفكر. هذه النبوءة ستتحقّق على مراحل إذ سيعمد سولارس سنة 1960 إلى إصدار مجلّة «تيل كيل» Tel Quel التي ستلعب دورا رياديا في تعميق أسئلة الفكر. اختارت المجلة أن تكون منبرا ينتصر للكتاب الذين جحدت أفضالهم في الوسط الثقافي الفرنسي، ويعرّف بالكتّاب المبتدئين الذين تشير أعمالهم الأولى إلى نبوغ محتمل. من هؤلاء الكتاب والمفكرين آرطو وباطاي ودريدا وفوكو وبارط. كان هؤلاء المشاهير قبل صدور مجلة «تيل كيل» من منكودي الحظ في الوسط الثقافي الفرنسي. وحين تولّت المجلة التعريف بمنجزاتهم ذاع صيتهم في الأرض قاطبة.
محمد لطفي اليوسفي
حين أصدر الكاتب الفرنسي فيليب سولارس سنة 1958 روايته الأولى «عزلة عجيبة» تنبّأ له الشاعر الفرنسي آراغون بمستقبل زاهر في دنيا الفكر. هذه النبوءة ستتحقّق على مراحل إذ سيعمد سولارس سنة 1960 إلى إصدار مجلّة «تيل كيل» Tel Quel التي ستلعب دورا رياديا في تعميق أسئلة الفكر. اختارت المجلة أن تكون منبرا ينتصر للكتاب الذين جحدت أفضالهم في الوسط الثقافي الفرنسي، ويعرّف بالكتّاب المبتدئين الذين تشير أعمالهم الأولى إلى نبوغ محتمل. من هؤلاء الكتاب والمفكرين آرطو وباطاي ودريدا وفوكو وبارط. كان هؤلاء المشاهير قبل صدور مجلة «تيل كيل» من منكودي الحظ في الوسط الثقافي الفرنسي. وحين تولّت المجلة التعريف بمنجزاتهم ذاع صيتهم في الأرض قاطبة.
فقد عاش آرطو شبه طريد. كان شاعرا وممثلا ومسرحيا رائدا أسس ما سمّاه «مسرح القسوة». أوكل إليه أندريه بريتون زعيم السورياليين مهمة الإشراف على مكتب البحوث السوريالية. لكنه سرعان ما انقلب عليه واتهمه بالخيانة. كان أرطو على يقين من أن الكائن ليس حرّا أبدا، ووحدها الفاجعة هي قدره ومصيره. لذلك كان يعلن: «لسنا أحرارا أبدا، والسماء يمكن أن تسقط على رؤوسنا في أية لحظة. المسرح هو الطريقة الوحيدة التي تضعنا في حضرة هذه الحقيقة». أما تجربة «مسرح القسوة» التي آمن بها فسرعان ما قوبلت بالنكران وباءت بالفشل فارتحل إلى المكسيك واختار الإقامة، إلى حين، بين ظهراني قبائل التاراهيوماراس. وحال عودته تلقفته مستشفيات الأمراض العقلية. مات آرطو في صبيحة يوم 4 آذار 1948 مذموما مدحورا. وستتمكن مجلة «تيل كيل» من انتشاله من النسيان وترد إليه الاعتبار.
الثابت تاريخيا أيضا أن باطاي كان من أبرز المفكرين الذين جددوا أسئلة الفكر. كتب في الفلسفة والأنتروبولوجيا والاقتصاد والسوسيولوجيا وتاريخ الفن والأيروسية وعلاقتها بتحولات الكائن ورعب الوجود. لكن حظه لم يكن أقل قسوة من حظ آرطو. كان باطاي على يقين من أن طريق السورياليين مقفلة ومشروعهم منذور إلى الأفول والزوال. كان على يقين أيضا من أن السورياليين وعلى رأسهم أندريه بروتون «حركة تخون الواقع العيني وتلغي راهنيته وتتمسّك بكل ما هو غير واقعي وما لا يدرك إلا بالتوهّم ولا يعاش إلا في الأوهام». لذلك عمد إلى إصدار مجلة «وثائق» المعادية للسورياليين. فجاء ردّ فعل بريتون عاتيا إذ عمد في «البيان الثاني للحركة السوريالية» إلى التشهير بباطاي وعدّه «ناقصا عقليا ومصابا نفسيا» وشنت عليه الحملات. أما سارتر فكتب مقالا بعنوان «متصوف جديد» نعت فيه باطاي بأنه «مصاب بجنون العظمة وبالهوس وأنه مخبول» وختم مقاله قائلا: «إن حالة باطاي من اختصاص الطب النفسي». مرة أخرى سيعمد سولارس ومجلة «تيل كيل» إلى رفع المظلمة وإنصاف باطاي الذي حرص أعظم كتاب فرنسا على جحود فضله. وعلى هذا الانتصار جريان حكاية المجلة مع فوكو وبارت ودريدا.